فصل: تفسير الآية رقم (19):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآيات (15- 26):

{فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26)}
{فَلاَ أُقْسِمُ} ذكرت نظائره {بالخنس * الجوار الكنس} يعني الدراري السبعة وهي الشمس والقمر وزحل وعطارد والمريخ والمشتري والزهرة وذلك أن هذه الكواكب تخنس في جريها أي تتقهقر، فيكون النجم في البرج ثم بكرّ راجعاً وهي جواري في الفلك، وهي تنكنس في أبراجها أي تستتر وهو مشتق من قولك: كنس الوحش إذا دخل كناسه وهو موضعه. وقيل: يعني الدراري الخمسة وهو مشتق بضوء الشمس. وقيل: يعني النجوم كلها، لأنها تخنس في جريها وتنكنس بالنهار أي تستر، وتختفي بضوء الشمس. وقيل: يعني بقر الوحش، فالخنس على هذا من خنس الأنف والكنس من سكناها في كناسها {والليل إِذَا عَسْعَسَ} يقال عسعس إذا كان غير مستحكم الظلام، فقيل: ذلك في أوله، وقيل: في آخره وهذا أرجح، لأن آخر الليل أفضل، ولأنه أعقبه بقوله: {والصبح إِذَا تَنَفَّسَ} أي استطار واتسع ضوؤه {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} الضمير للقرآن والرسول الكريم جبريل، وقيل: محمد صلى الله عليه وسلم. قال السهيلي: لا يجوز أن يقال إنه محمد عليه السلام؛ لأن الآية نزلت في الرد على الذين قالوا إن محمداً قال القرآن، فكيف يخبر الله أنه قوله: وإنما أراد جبريل، وإضاف القرآن إليه لأنه جاء به، وهو في الحقيقة قول الله تعالى، وهذا الذي قال السهيلي لا يلزم، فإنه قد يضاف إلى محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه تلقاه عن جبريل عليه السلام، وجاء به إلى الناس، ومع ذلك فالأظهر أنه جبريل وصفه بقوله: {ذِي قُوَّةٍ} وقد وصف جبريل بهذا لقوله: {شديد القوى} و{ذو مرة} {عِندَ ذِي العرش} يتعلق بذي قوة، وقيل: بمكين، وهذا أظهر والمكين الذي له مكانة أي جاه وتقريب {مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} هذا الظرف إشارة إلى الظرف المذكور قبله. وهو عند ذي العرش أي مطاع في ملائكة ذي العرش {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} هو محمد صلى الله عليه وسلم باتفاق {وَلَقَدْ رَآهُ بالأفق المبين} ضمير الفاعل لمحمد صلى الله عليه وسلم، وضمير المفعول لجبريل عليه السلام، وهذه الرؤية له بغار حراء على كرسي بين السماء والأرض. وقيل: الرؤية التي رآه عند سدرة المنتهى في الإسراء، ووصف هذا الأفق بالمبين لأنه روي أنه كان في المشرق من حيث تطلع الشمس، وأيضاً كل أفق فهو مبين {وَمَا هُوَ عَلَى الغيب بِضَنِينٍ} الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم. ومن قرأ بالضاد فمعناه بخيل أي لا يبخل بأداء ما ألقى إليه من الغيب، وهو الوحي، ومن قرأ بالظاء فمعناه متهم أي لا يتهم على الوحي، بل هو أمين عليه. ورجح بعضهم هذه القرءاة بأن الكفار لم ينسبوا محمداً صلى الله عليه وسلم إلى البخل بالوحي بل اتهموه فنفى عنه ذلك {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ} الضمير للقرآن {فَأيْنَ تَذْهَبُونَ} خطاب لكفار قريش أي ليس لكم زوال عن هذه الحقائق. وقد تقدم تفسير بقية السورة في نظائره فيما تقدم.

.سورة الانفطار:

.تفسير الآيات (1- 5):

{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)}
{إِذَا السمآء انفطرت} أي انشقت {وَإِذَا الكواكب انتثرت} أي سقطت من مواضعها {وَإِذَا البحار فُجِّرَتْ} أي فرغت وقيل: فجر بعضها إلى بعض فاختلط {وَإِذَا القبور بُعْثِرَتْ} أي نبشت على الموتى الذين فيها، وقال الزمخشري: أصله من البعث والبحث فضمت إليها الراء والمعنى بحثت وأخرج موتاها {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} هاذ هو الجواب ومعناه: علمت كل نفس جميع أعمالها، وقيل ما قدمت في حياتها وما أخرت مما تركته بعد موتها من سنَّتها أو وصيَّة أوصت بها، وأفردت النفس والمراد به العموم حسبما ذكرنا في التكوير.

.تفسير الآيات (6- 8):

{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)}
{ياأيها الإنسان} خطاب لجنس بني آدم {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكريم} هذا توبيخ وعتاب معناه: أي شيء غرّك بربك حتى كفرت به أو عصيته، أو غفلت عنه فدخل في العتاب الكفار وعصاة المؤمنين، ومن يغفل عن الله في بعض الأحياء من الصالحين. وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ما غرّك بربك الكريم فقال: غرّه جهله وقال عمر: غرّه جهله وحمقه. وقرأ: إنه كان ظلوماً جهولاً، وقيل: غرّه الشيطان المسلط عليه. وقيل: غرّه ستر الله عليه وقيل: غرّه طمعه في عفو الله عنه. ولا تعارض بين هذه الأقوال لأن كل واحد منهما مما يغرّ الإنسان، إلا أن بعضها يغرّ قوماً وبعضها يغر قوماً آخرين، فإن قيل: ما مناسبة وصفه بالكريم هنا للتوبيخ على الغرور؟ فالجواب: أن الكريم ينبغي أن يعبد ويطاع شكراً لإحسانه ومقابلة لكرمه، ومن لم يفعل ذلك فقد كفر النعمة وأضاع الشكر الواجب {فَعَدَلَكَ} بالتشديد والتخفيف أي عدل أعضاءك وجعلها متوازية فلم يجعل إحدى اليدين أطول من الأخرى، ولا إحدى العينين أكبر من الأخرى ولا إحداهما كحلاء والأخرى زرقاء ولا بعض الأعضاء أبيض وبعضها أسود وشبه ذلك من الموازنة {في أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ} المجرور يتعلق بركبك وما زائدة، والمعنى ركبك في أي صورة شاء من الحسن والقبح، والطول والقصر، والذكورة والأنوثة، وغير ذلك من اختلاف الصور، ويحتمل أن يتعلق المجرور بمحذوف تقديره: ركبك حاصلاً في أي صورة، وقيل: يتعلق بعدلك علىأن يكون بمعنى صرفك إلى أي صورة شاء، هذا بعيد، ولا يمكن إلا مع قرءاة عدلك بالتخفيف.

.تفسير الآيات (9- 17):

{كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17)}
{كَلاَّ} ردع الغرور المذكور قبل، والتكذيب المذكور بعد {بَلْ تُكَذِّبُونَ بالدين} هذا خطاب للكفار والدين هنا يحتمل أن يكون بمعنى الشريعة أو الحساب أو الجزاء {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} يعني الملائكة الذين يكتبون أعمال بني آدم {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} يعلمون الأعمال لمشاهدتهم لها، وأما ما لا يرى ولا يسمع من الخواطر والنيات والذكر بالقلب فقيل: إن الله ينفرد بعلم ذلك، وقيل إن الملك يجد لها ريحاً يدركها به {إِنَّ الأبرار لَفِي نَعِيمٍ} في هذه الآية وفيما بعدها من أدوات البيان المطابقة والترصيع {وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ} فيه قولان: أحدهما: أن معناه لا يخرجون منها إذا دخلوها، والآخر: لا يغيبون عنها في البرزخ قبل دخولها لأنهم يعرضون عليها غدواً وعشياً {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدين} تعظيم له وتهويل، وكررّه للتأكيد والمعنى أنه من شدته بحيث لا يدري أحد مقدار هوله وعظمته.

.تفسير الآية رقم (19):

{يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)}
{يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً} أي لا يقدر أحد على منفعة أحد، وقرئ يوم بالرفع على البدل من يوم الدين، أو على إضمار مبتدأ، أو بالنصب على الظرفية بإضمار فعل تقديره فعل يجازون يوم الدين أو النصب على المفعولية بإضمار فعل تقديره اذكر، ويجوز أن يفتح لإضافته إلى غير متمكن وهو في موضع رفع.

.سورة المطففين:

.تفسير الآيات (1- 3):

{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)}
{وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} التطفيف في اللغة هو البخس والنقص وفسره بذلك الزمخشري واختاره ابن عطية، وقيل: هو تجاوز الحد في زيادة أو نقصان واختاره ابن الفرس، وهو الأظهر لأن المراد به هنا بخس حقوق الناس في المكيال والميزان، بأن يزيد الإنسان على حقه أو ينقص من حق غيره، وسبب نزول السورة أنه كان بالمدينة رجل يقال له أبو جهينة له مكيالان يأخذ بالأوفى ويعطي بالأنقص فالسورة على هذا مدنية، وقيل مكية لذكر أساطير الأولين، وقيل: نزل بعضها بمكة. ونزل أمر التطفيف بالمدينة؛ إذ كانوا أشد الناس فساداً في هذا المعنى فأصلحهم الله بهذه السورة {الذين إِذَا اكتالوا عَلَى الناس يَسْتَوْفُونَ} معنى اكتالوا على الناس قبضوا منهم بالكيل فعلى بمعنى من وإنما أبدلت منها لما تضمن الكلام من معنى التحامل عليهم، ويجوز أن يتعلق على الناس بيستوفون وقدم المفعول لإفادة التخصيص {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} معنى يخسرون ينقصون حقوق الناس وهو من الخسارة، يقال: خسر الرجل وأخسره غيره إذا جعله يخسر، وكالوهم معناه: كالوا لهم {أَوْ وَّزَنُوهُمْ} معناه وزنوا لهم، ثم حذف حرف الجرّ فانتصب المفعول لأن هذين الفعلين يتعدى كل واحد منهما تارة بنفسه وتارة بحرف الجرّ يقال: كلتك وكلت لك ووزنتك ووزنت لك بمعنى واحد. وحذف المفعول الثاني، وهو المكيل والموزون، والواو التي هي ضمير الفاعل للمطففين والهاء الذي هي ضمير المفعول للناس. فالمعنى إذا كالوا أو وزنوا لهم طعاماً أو غيره مما يكال أو يوزن يخسرونهم حقوقهم، وقيل: إن (هم) في كالوهم أو وزنوهم تأكيد للضمير الفاعل، ورُوي عن حمزة أنه كان يقف على كالوا ووزنوا ثم يبتدئ (هم) ليبين هذا المعنى، وهو ضعيف من وجهين، أحدهما: أنه لم يثبت في المصحف ألف بعد الواو في كالوا ووزنوا فدلّ ذلك على أن هم ضمير المفعول. والآخر أن المعنى على هذا أن المطففين إذا تولوا الكيل أو الوزن نقصوا، وليس ذلك بمقصود لأن الكلام واقع في الفعل لا في المباشر، ألا ترى أن اكتالوا على الناس معناه: قبضوا منهم وكالوهم أو وزنوهم معناه: دفعوا لهم. فقابل القبض بالدفع. وأما على هذا الوجه الضعيف فهو خروج عن المقصود، قال ابن عطية: ظاهر الآية أن الكيل والوزن على البائعين وليس ذلك بالجلي. قال: صدر الآية في المشترين، فهم الذين يستوفون أو يشاحُّون ويطلبون الزيادة، وقوله: وإذ كالوهم أو وزنوهم في البائعين فهم الذين يُخْسِرون المشتري.

.تفسير الآيات (4- 6):

{أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)}
{أَلا يَظُنُّ أولئك أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} يعني يوم القيامة، وهذا تهديد للمطففين وإنكار لفعلهم، وكان عبد الله بن عمر إذا مر بالبائع يقول له: اتق الله وأوف الكيل، فإن المطففين يوقفون يوم القيامة لعظمة الرحمن {يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبِّ العالمين} الظرف منصوب بقوله: مبعوثون وقيل: بفعل مضمر أو بدل من يوم عظيم، وقيام الناس يوم القيامة على حسب اختلافهم، فمنهم من يقوم خمسين ألف سنة وأقل من ذلك حتى أن المؤمن يقوم على قدر الصلاة مكتوبة.

.تفسير الآيات (7- 10):

{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10)}
{كَلاَّ} ردع على التطفيف أو افتتاح كلام {إِنَّ كِتَابَ الفجار لَفِي سِجِّينٍ} كتاب الفجار هو ما يكتب من أعمالهم، والفجار هنا يحتمل أن يريد به الكفار أو المطففين وإن كانوا مسلمين، والأول أظهر لقوله بعد هذا: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} وسجين: اسم علم منقول من صفة على وزن فعيل للمبالغة، وقد عظم أمره بقوله: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ}، ثم فسره بأنه: {كِتَابٌ مَّرْقُومٌ} أي مسطور بين الكتابين وهو كتاب جامع يكتب فيه أعمال الشياطين والكفار، والفجار وهو مشتق من السجن بمعنى الحبس، لأنه سبب الحبس والتضييق، في جهنم ولأنه في مكان الهوان والعذاب كالسجن، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه في الأرض السفلى، وروُي عنه أنه في بئر هناك، وحكى كعب عن التوراة أنه في شجرة سوداء هنالك، وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون معنى الآية أن عدد الفجار في سجين أي كتبوا هنالك في الأزل.

.تفسير الآيات (13- 15):

{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)}
{أَسَاطِيرُ الأولين} قد ذكر {بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} أي غطى على قلوبهم ما كسبوا من الذنوب، فطمس بصائرهم فصاروا لا يعرفون الرشد من الغي، وفي الحديث: «إن العبد إذا أذنب ذنباً صارت نكتة سوداء في قلبه فإذا زاد ذنب آخر زاد السواد فلا يزال كذلك حتى يتغطى وهو الران» {لَّمَحْجُوبُونَ} حُجب الكفار عن الله، على أن المؤمنين لا يُحجبون وقد استدل بها مالك والشافعي على صحة رؤية المؤمن لله في الآخرة، وتأويلها المعتزلة أن معناها محجوبون عن رحمته.

.تفسير الآيات (18- 21):

{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21)}
{كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأبرار لَفِي عِلِّيِّينَ} عليَّون اسم علم للكتاب الذي تكتب فيه الحسنات، وهذا جمع منقول من صفة علي، على وزن فعيل للمبالغة وقد عظمه بقوله: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} ثم فسره بقوله: {كِتَابٌ مَّرْقُومٌ} وهو مشتق من العلوّ لأنه سبب في ارتفاع الدرجات في الجنة، أو لأنه مرفوع في مكان علي، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تحت العرش، وقال ابن عباس: هو الجنة وارتفع كتاب مرقوم في الموضعين على أنه خبر مبتدأ مضمر تقديره هو كتاب، وقال ابن عطية: كتاب مرقوم خبر إن والظرف ملغى. وهذا تكليف يفسد به المعنى، وقد روي في الأثر ما روي في الآية وهو أن الملائكة تصعد بصحيفة فيها عمل العبد فإن رضيه الله قال اجعلوه في عليين، وإن لم يرضه قال اجعلوه في سجين {يَشْهَدُهُ المقربون} يعني الملائكة المقربين.

.تفسير الآيات (23- 24):

{عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24)}
{الأرآئك} قد ذكر {يَنظُرُونَ} روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ينظرون إلى أعدائهم في النار، وقيل: ينظرون إلى الجنة وما أعطاهم الله فيها {نَضْرَةَ النعيم} أي بهجته ورونقه، كما يرى في وجوه أهل الرفاهية العافية والخطاب في: {تَعْرِفُ} للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل مخاطب من غير تعيين.

.تفسير الآيات (25- 28):

{يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)}
{يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ} الرحق الخمر الصافية، والمختوم فسره الله بأن ختامه مسك، وقرئ ختامه بألف بعد التاء، وخاتمه بألف بعد الخاء وبفتح التاء وكسرها وفي معناه ثلاثة أقوال: أحدها أنه من الختم على الشيء، بمعنى جعل الطابع عليه، فالمعنى أنه ختم على فم الإناء الذي هو فيه بالمسك، كما يختم على أفواه آنية الدنيا بالطين إذا قصد حفظها، وصيانتها، الثاني أنه من ختم الشيء أي تمامه، فمعناه: خاتم شربه مسك أي يجد الشارب عند آخر شربه رائحة المسك ولذته الثالث أن معناه مزاجه مسك أي مزج الشراب بالمسك، وهذا خارج عن اشتقاق اللفظ {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المتنافسون} التنافس في الشيء هو الرغبة فيه، والمغالاة في طلبه والتزاحم عليه {وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ} تسنيم اسم لعين في الجنة، يشرب منها المقربون صرفاً ويمزج منه الرحيق الذي يشرب منه الأبرار، فدل ذلك على أن درجة المقربين فوق درجة الأبرار، فالمقربون هم السابقون والأبرار هم أصحاب اليمين {عَيْناً} منصوب على المدح بفعل مضمر، أو على الحال من تسنيم {يَشْرَبُ بِهَا} بمعنى يشربها فالباء زائدة ويحتمل أن يكون بمعنى يشرب منها أو كقولك شربت الماء بالعسل.